آخر المواضيع
تحميل ...
السبت، 21 سبتمبر 2019

نظريَّة العبقريّةِ عند شوبِّنهاور





نظريَّة العبقريّةِ عند شوبِّنهاور
- العبقريّة هي أنموذج الإنسان الذي استطاع أن يحرِّر عقله من سلطة الإرادة في لحظات معينة ، هي لحظات التأمل الموضوعي. وترتبط نظرية العبقرية عند شوبنهاور بنظريته في المعرفة ، إذ أن العبقري عنده لا يتميَّز عن سائر الناس إلّا بالمعرفة الحدسيّة التي ينفذ بها إلى أعماق الأشياء ، بحيث يصبح هو وإيّاها شيئاً واحداً.

- إذن تكمن العبقرية في المعرفة ، وهذه المعرفة ليست معرفة مُجرَّدة ، بل معرفة حدسيّة ، كما أنها لا تخضع لمبدأ العلَّة ، بل إنها تتجاوزه وتتحرر منه ، لترى الأشياء في ضوء آخر غير ضوء الضرورة. وهذه الصبغة التأمليّة لنظرية العبقرية تجعلنا نتساءل : ألا وجود للعبقريّة في ميدان الفعل ؟ وهل يقتصر وجودها على ميدان التأمل والمعرفة ؟ وجواب شوبنهاور هنا واضح بأنه لا يعترف بالعبقرية في ميدان الفعل ، ولا يشير مرة واحدة إلى عباقرة الحرب أو السياسة.

- والصبغة الثانية هي الصبغة الموضوعية التي أضفناها على نظريته في العبقرية ، وهو هنا يختلف عن النزعة الرومانتيكية السائدة في عصره التي تتجه بالعبقرية نحو الذاتية المُغالية ، وتمنح الفنان الحقّ كله بأن يخلق لنفسه عالماً من الصور ليعيش فيه. أما شوبنهاور فعلى العكس من ذلك ؛ جعل العبقرية قوة للإدراك الموضوعي قبل كل شيء.

- أمّا الصبغة الثالثة فهي الصبغة الأخلاقية ، ففي العبقري
يتغلّب العقل على الإرادة ، ولمّا كانت الإرادة شرّاً ، فمعنى
ذلك أن شخصية العبقري تتخذ لها طابعاً أخلاقياً. إن العبقري يتحرر من من فرديته حينما يتأمل الأشياء تأملاً جمالياً خالصاً ، وكذلك تتحرر الأشياء من فرديتها وعلاقتها بالإرادة ، أي من فرديتها هي الأخرى ، فالعبقرية تتحرّر من "مبدأ الفردية" ولما كان هذا المبدأ أصل الأنانية ، والأنانية منبع الشرور ، كان معنى ذلك أن العبقرية بتحررها من مبدأ الفردية لكي تتأمل الأشياء تأملاً خالصاً ؛ تنزع نحو الخير.

______________

الفلسفة الحديثة ، أمل مبروك ، دار التنوير ، بيروت.

0 التعليقات:

إرسال تعليق