آخر المواضيع
تحميل ...
الجمعة، 16 سبتمبر 2016

الثواب والعقاب في التربية



الثواب والعقاب في التربية

تلتقي نظريات علم النفس الحـديـث مــعالإسلام في أن العقوبة أمر مشروع لمن لم تُفد معه الأساليب التربوية الأخرى كالمدحوالثـنـاء في وضع حد للسلوك الخاطئ وإطفائه؛ ذلك أن بعض الناس لا يرتدعون إلابالعقوبة؛ وقد جاء في الأثر: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزعبالقرآن(.

والإسـلام يُجيز العقوبة ويشرّع لها؛ ولذلك وضع عقوبات وحدوداً معينةلبعض الجرائم الأخلاقـيـة: فجريمة القتل حدها القتل، وجريمة السرقة حدها قطع اليد،وجريمة شرب الخمر حدها الجلد، وكذلك جريمة الزنا لغير المحصن حدها الجلدأيضاً.

وهكذا نجد في القرآن الكريم تفاصيل هذه الحدود بما لا يدع مجالاً للشك؛قال ـ تعالى ـ في حد القتل: ((وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِيالأََلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 179]. فجعل حـيــاة المجتمع وقفاًعلى موت بعض أفراده السيئين قطعاً لجذور الفساد وردعاً لمن تسول له نفسه القيامبذلك جزاء وفاقاً.

وقال في حد الـسـرقــة: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُفَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ واللَّهُعَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [المائدة: 38].

وقال في حد الزنا: ((الزَّانِيَةُ وَالزَّانِيفَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَاًخُذْكُم بِهِمَارَاًفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِوَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ)) [النور: 2].

وقال ـتعالى ـ في جواز ضرب الرجل زوجته ضرباً غير مبرح: ((وَاللاَّتِي تَخَافُونَنُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإنْأَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِياًكَبِيراً)) [النساء: 34].

وفي تأديب الصبي وجواز ضربه على إهمال الصلاة إذا بلغعشراً، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعسنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع)(1(.

وهكذايتبين لنا من هـــذه الأدلة أن الإسلام يجيز مبدأ العقاب ويشرع له، ولذلك لا نجد منالتربويين المسلمين الأوائل من أنكر مبدأ العقاب في التربية؛ ولكنهم أحاطوه بسياجمن الشروط والقيود، وجعـلـــوه تالياً للمدح، وقدموا عليه الرفق؛ عملاً بقول الرسولالكريم -صلى الله عليه وسلم-: (إن الـرفــق لا يكـــون فـي شــيء إلا زانه، ولاينزع من شيء إلا شانه)(2(.

وعـــن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لايعطي على ما سواه)(3(.

ونـجــــد من بين التربويين الأوائل الذين تكلموا في هذاالموضوع: الإمام الفقيه محمـد بن سحنون (ت 256هـ)، وأبا الحسن القابسي (ت 324 هـ)،وابن الجزار القيرواني الطبيب (ت 369هـ)، والغزالي (ت 505 هـ)، وبرهان الدينالزرنوجي (ت 640 هـ)، وابن جماعة الكناني (ت 733هـ) وابن خلدون (ت 808 هـ) وغيرهم.

قال ابن سـحـنـون: (ولا بــــأس أن يضربهم ـ يعني المؤدب أو المعلم ـعلى منافعهم، ولا يتجاوز بالأدب ثلاثاً إلا أن يأذن الأب فـي أكـثـر من ذلك إذا آذىأحداً، ويؤدبهم على اللعب والبطالة، ولا يجاوز بالأدب عشراً، وأما على القرآن فلايجاوز أدبه ثلاثاً)(4).

ويعلل ابن سحنون ذلك بقوله: (لأن عشرة غاية الأدب؛ وكذلكسمعت مالكاً يقول: وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يضرب أحدكم أكثر من عشرةأسواط إلا في حد(.

وقد جاء في وصية ابن سحنون لمعلم ولده: (لا تؤدبــه إلابالمدح ولطيف الكلام، وليس هو ممن يؤدّب بالضرب والتعنيف)(5(.

ويلتقي أبو الحسنالقابسي مع ابن سحنون في ضرورة الرفق بالصبيان وعدم تجاوز الثلاثة فـي التأديب،وإنما يلجأ إلى الضرب فقط عندما لا ينفع العذل والتقريع بالكلام الذي فيهالـتـوعــد من غير شتم ولا سب لعِرْض، يقول أبو الحسن القابسي: (وإذا استأهل الضربفاعلم أن الضرب من واحدة إلى ثلاث، فليستعمل اجتهاده لئلا يزيد رتبة فوق استئهالها،وهذا هو أدبه إذا فرّط فتثاقل عن الإقبال على المعلم، فتباطأ في حفظه، أو أكثرالخطأ في حزبه، أو في كتابة لوحه.


ولئن سـمـح القابسي للمعلم بمعاقبة التلاميذبهذا القدر من الضرب إلا أنه علّق ذلك على مدى استـئهـال التلميذ لذلك، وقيّدهبثلاثة، واشترط في تجاوز الثلاثة إلى العشرة مشورة أبي الصبي أو ولي أمره ومدىاحتمال الصبي للضرب فوق الثلاثة إذا استأهل ذلك، وألا يتعدى أثر الـضــــرب الألمإلى التأثير المشنع أو الوهن المُضِر. وعلى الجملة: فالمعلم عنده عوض عن الأببالـنـسـبة للصبيان (فهو المأخوذ بأدبهم، والناظر في زجرهم عما لا يَصْلح لهم،والقائم بإكرامهم عـلـى مـثـل مـنـافـعهم؛ فهو يسوسهم في كل ذلك بما ينفعهم، ولايخرجهم ذلك من حسن رِفْقه بهم، ولا مـن رحـمـتـــه إيـاهـــم؛ فإنما هو لهم عوض منآبائهم)(6) ويعلل القابسي ذلك بقول الرسـول -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم من ولي منأمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفـق بـه)(7)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحبالرفق في الأمر كله)(8(.


وقد تحدث ابن الجزار القيرواني الطبيب عن الفرق بينالصبيان في مدى قبولهم للأدب؛ إذ منهم من يتقبل الأدب قبولاً سهلاً، ومنهم من لايقبل ذلك، ومنهم من إذا مُدِحَ تعلم علماً كثيراً، ومنهم من يتعلم إذا عاقبه المعلمووبخه، ومنهم من لا يتعلم إلا إذا استعملت معه أساليب أشد تعنيفاً كالضرب مثلاً. ولذلك قرر ابن الجزار مراعاة هذه الفروق الفردية، واتباع الأسلوب المناسب لتأديب كلصبي بما يناسبه من الأساليب؛ حيث قال: (فأما إذا كــان الـصـبـي طبيعته جيدة، أعني: أن يكون مطبوعاً على الحياء وحب الكرامة والألفة محباً للصــدق؛ فإن تأديبه يكونسهلاً، وذلك أن المدح والذم يبلغان منه عند الإحسان أو الإساءة ما لا تبلغه العقوبةمن غيره، فإن كان الصبي قليل الحياء، مستخفاً للكرامة، قليل الألفة، مـحـبـاًللـكــذب، عـسـراً تأديباً، ولا بد لمن كان كذلك من إرهاب وتخويف عند الإساءة، ثميحقق ذلك بالضرب إذا لم ينجح التخويف(9(.


وقد بين الغزالي أن الطريق في ريـاضــةالـصـبـيـان وتأديـبـهـم ينبغي أن يؤسس على الرفق واللين، والثواب والمدح لا العقابوالشدة والتعنيف؛ حيث قال: (ثم مهما ظهر من الصبي من خلق جميل وفعل محمود فينبغي أنيكرم عليه، ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس، فإن خالف ذلك في بعضالأحوال مرة واحدة؛ فـيـنبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يظهرله أنه يتصور أن يتجاسر أحـــد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد فيإخفائه؛ فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إنعاد ثانية فينبغي أن يعاقب سراً ويعظم الأمر فيه، ويقال له: إياك أن تعود بعد ذلكلمثل هذا، وأن يُطّلع عليك في مثل هذا فتُفضح بين الناس. ولا تكثر القول عليهبالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركـــوب القبائح، ويسقط وقعالكلام من قلبه)(10).


أمـــــا العلاّمة ابن خلدون فقد عقد في مقدمته فصلاً فيأن الشدة على المتعلمين مُضرّة بهم، أشار فـيــــه إلى الأضرار الخطيرة التي تعودعلى الفرد في مرحلة الرشد، وعلى المجتمع بأسره نتيجة الشدة والتعنيف في تأديبالولدان في الصّغر، وما ينجرّ عنها من فساد وسوء خلق وتـعــوّد على الكذب والخبثوالكيد والمكر والخديعة؛ لأن الراشد قد تعوّد في صغره التظاهر بغير ما في ضميرهخوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه، فصار ذلك له خلقاً وعادة لم يستطع منها فكاكاًفي الكبر.


يقول ابن خلدون: (ومن كان مَرْباه بالعسف والقهر من المتعلمين أوالمماليك أو الخدم سطا به القهر، وضيّق على النّفْسِ في انبساطها، وذهب بنشاطها،ودعاه ذلك إلى الكسل،وحمله على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفاً منانبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقاً،وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدّن، وهي الحمية والمدافعة عننفسه ومنزله، وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائلوالخلق الجميل؛ فانقبضت عـــن غايتها ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفلالسافلين)(11(.


ولم يكـتـف ابـن خلدون بهذه الإشارة الجميلة للآثار المترتبة علىالعنف في التربية؛ بل ضرب لنا مثلاً واقـعـيـــاً باليهود وما اتصفوا به من خبثومكر وكيد؛ ومردّ ذلك حسب تحليله يعود إلى ما لـقــــوه من قهر وعسف نتيجة تيههموتفرقهم في الأمصار. يقول ابن خلدون: (وانظره في اليهود وماحصل بذلك فيهم من خلقالسوء، حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالحرج؛ ومعناه في الاصطلاح المشهور: التخابث والكيد؛ وسببه ما قلناه. (أي: العسف والقهر في التأديب)(12). ولذلك دعا ابنخلدون إلى الرفق بالمتعلم واجتناب الشدة في تأديبه وتهذيبه، واستحسن وصية الرشيدلمعلم ولده محمد الأمين، واعتبرها من أحسن مذاهب التعليم، ومما جاء فيها: (يا أحمر! إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة،وطاعته لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين: أقرئه القرآن، وعرّفه الأخبار،وروّه الأشعار، وعلّمه السنن، وبصّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا فيأوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروامجلسه، ولا تمرّنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيدها إياه، من غير أن تحــزنـــهفتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقربوالملاينة؛ فإنْ أباهما فعليك بالشدة والغلظة)(13(.


وأجمل منها وصية مسلمة بنعـبـد الـمـلـك إلى مؤدب ولده؛ حيث قال: (إني قد وصَلْتُ جناحك بعضدي، ورضيتُ بكقريناً لولدي؛ فأحسن سياستهم تدم لك استقامتهم، وأسْهِلْ بهم في التأديب عن مذاهبالعنف، وعـلّـمـهــــم معروف الكلام، وجنّبهم مثاقبة اللئام، وانههم أن يُعرَفوابما لم يَعْرِفوا، وكن لهم سائساً شفيقاً، ومؤدباً رفيقاً تكسبك الشفقة منهمالمحبة، والرفق حسن القبول ومحمود المغبة، ويمـنـحك ما أرى من أثرك عليهم، وحسنتأديبك لهم مِني جميل الرأي، وفاضل الإحسان ولطيف العناية)(14(.


ومما سبق يتضحأن المربين المسلمين الأوائل وإن أقرّوا بـدور الـعـقـاب في التربية إلا أنهم جعلوهمن باب: (آخر العلاج الكي) بحيث لا يلجأ إليه المربي إلا عند الضرورة القصوى، وضمنحدود معينة، وشروط محددة؛ فهم قد فاضلوا بين الأساليب التربوية على النحوالآتي:


المدح والثناء والترغيب:

اعتبر التربويـون المسلمون الأوائل الثوابوالمدح والثناء الأسلوب الأمثل، والحافز الأقوى للتعلم، ولذلك طالبوا المعلمبالمبادرة به قبل غيره، وأن لا يلجأ إلى غيره إلا لحاجة ملحّة قـد تفـرضـهـا طبيعةالصبي كأن يكون الصبي قليل الحياء مستخفّاً بالكرامة، قليل الألفة محباً للكذب. وفيذلك يقول أبو الحسن القابسي: (وإذا هو أحسن يغبطه بإحسانه من غير انبساط إليه ولامنافرة له لـيـعـرف وجــــه الـحـســن مــن الـقـبـيـح فيتدرج على اختيارالحسن)(15(.

وفي ذلك أيضاً يقول الغزالي: (ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل، وفعلمحمود فينبغي أن يكرم عليه ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهرالناس)(16(.

وقد مر معنا وصية ابن سحنون لمؤدب ولده: (ولا تؤدبه إلا بالمدحولطيف الكلام)(17(.

كذلك أوصى ابن جماعة المعلم بشكر التلميذ إذا أصاب الجوابومــدحــــه والثناء عليه، فقال: (فمن رآه مصيباً في الجواب، ولم يخف عليه شدةالإعجاب شكره وأثنى عليه بين أصحابه ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلبالازدياد)(18). وقد كان الـمـربـون الأوائل يتحينون الفرص لتشجيع الأولاد وحثهم علىالمنافسة النزيهة في العلم وتحصيله. قال ابن سحنون في حث المعلم على ذلك: (وينبغيأن يجعل لهم وقتاً يعلمهم فيه الكتاب ويجعلهم يتجاوزون؛ لأن ذلك مما يصلحهمويخرجهم، ويبيح لهم أدب بعضهم بعضاً)(19(

وكانوا إذا حذق الصبي القرآن ـ أيأصبح ماهراً فيه ـ جمعوا له الناس وعمـلـوا له وليمة لتشجيعه ومدحه بين الناس بمايدفعه إلى الاستزادة من العلم وتحصيله؛ خصـوصـــاً إذا علمنا أن أول ما يتعلمهالصبي في الكتّاب القرآن الكريم، فهو بختمه القرآن الكريم وحذقه لا يزال في بدايةالطريق. جاء في: (كتاب العيال) للحافظ ابن أبي الدنيا: (حدثني بشر بن مـعــاذالـعـبـدي، حدثنا أبو عمارة الرازي، حدثنا يونس، قال: حذق ابنٌ لعبد الله بن الحسنبن أبي الحسن، فقال الحسن: إن فلاناً قد حذق.

فقال الحسن: كان الغلام إذا حذققبل اليوم نحروا جزوراً وصنعوا طعاماً للناس)(20(

وبهذا يكون المربون الأوائلقد سبقوا بأشواط كثيرة علماء النفس المحدثين في تقرير أهمية المدح والثناء فـيالـتـربـيـــة. ويشار إلى أسلوب التشجيع والثواب في علم النفس بمصطلح (التعزيز). ومعناه المكافأة ويعـتـبر التعزيز، سواء كان معنوياً كالمدح والثناء، أو مادياً، منأهم الأساليب الحديثة في تعديل السلوك وتهذيبه. وهكذا يتضح أن التربويين المسلمينقد لامسوا الموضوع عن قرب ولكن دون الـدخــــول في تفصيلات كبيرة كما هو الشأنبالنسبة لعصرنا الحالي الذي تشعبت فيه التخصصات.


الإيحاش والإعراضوالتّرْك:

ويعتبر الإيحاش والإعراض والترك أقل درجــــات العقوبة المعنوية؛فالمعلم قد يلحظ على الصبي ملحظاً أو يرى منه تصرفاً غير لائق؛ ولكنه يُعرض عنهويتغافل عنه ولا يعنفه أو يشتد عليه في العقوبة؛ ربما لأن الصبي قام بهذا السلوكمرة واحدة فيعفو عنه، أو لأنه كان يتوقع أن ما قام به يعتبر لائقاً وينتظر عليهمـكـافــأة من المعلم ولو في صورة مدح أو بشاشة وجه أو اهتمام به، فيعرض المعلم عنهويبدي له نوعاً من الإيحاش وعدم البشاشة. وقد أشار الغزالي إلى هذا الأسلوب بقوله: (فإن خالف ذلك (أي: أتى فعلاً غير محمود أو تخلق بخلق غير جميل) في بعض الأحوال مرةواحدة فـيـنـبغي أن يتغافل عنه ولا يهتك ستره ولا يكاشفه ولا يظهر له أنه يتصور أنيتجاسر أحد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه)(21(.

ويشار إلىهذا الأسلوب في نظريات التعلم بمصطلح: (الانطفاء(

ومـعـنـاه أن الصبي إذا قامبسلوك غير لائق وتجاهله المعلم وأعرض عنه ولم يُبْدِ نوعاً من الإيناس وبشاشة الوجهللصبي؛ فإن الصبي يبدي رغبة أقل في تكراره ويتركه؛ فينطفئ. وقد قدم لنا كل من (مارتن وبير) في كتابهما: (تعديل السلوك) عدة شروط يجب مراعاتها لكي يـكـوناسـتـخـدامـنـا للانطفاء أكثر فعالية في تعديل السلوك، يمكن الرجوع إليها في مظانهالمن رام المزيد.



0 التعليقات:

إرسال تعليق